طاهر مرسي يكتب: ماذا بعد رفع الفائدة الأمريكية؟.. أكبر المتضررين والمستفيدين

قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول خلال حديثه الصحفي اليوم، عقب ختام اجتماعات اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، يومي الثلاثاء، والأربعاء: “من الممكن أن نشهد – ما أتمنى أن يكون – ركودًا معتدلاً”
وهنا يبرز الحديث عن الركود بشكل واضح ومتكرر على لسان باول، وفي أسئلة الصحفيين المتكررة، مما يعيد للأذهان الحديث عن التضخم في 2021، والنفي القاطع والمتكرر له من رئيس الفيدرالي، ليقر به بعد عام كامل، وعند وصوله مستويات ملتهبة.
فما علاقة الركود بالتضخم، ورفع الفائدة؟
الركود أداة ضرورية في السياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي.
فهي أحد اهم أدوات محو الآثار السلبية للسيولة، والتي قام هو بضخها في دورة الطباعة المسماة التيسير الكمي، والتي سببت التضخم، نتيجة زيادة الكتلة والمعروض النقدي.
لا يمكن فصل التضخم عن الركود في كل دورات إعادة هندسة النظام النقدي والمالي الأمريكي منذ تولي بنك الاحتياطي الفيدرالي مهمة طباعة عملة البلاد، وإدارة التضخم.
الطباعة من خلال التيسير الكمي وخفض الفائدة تنتج التضخم
يعقبها الركود من خلال التشديد الكمي ورفع الفائدة للقضاء على التضخم
ثم طباعة وخفض …… وهكذا دورة مغلقة متكررة….
دورة مستمرة منذ قرن بالولايات المتحدة الأمريكية.
الخطر الحقيقي هو قدرة الولايات المتحدة على تصدير الآثار السلبية لتلك التصرفات غير المسؤولة لغيرها من الدول من خلال احتكارها طباعة عملة العالم، لما لذلك من امتيازات غير محدودة!
بوصول الفائدة إلى 5.25% ستزداد الضغوط التضخمية على دول الهامش الرأسمالي، الدول النامية، والاقتصادات الناشئة، خاصة جانب تضخم التكاليف، والذي سيضغط على القدرات الصناعية والإنتاجية لتلك الدول، وتعرضها للانكماش والركود، مع تعرض قطاعات عريضة لصدمات تكاليف القروض التي ستستمر في الارتفاع، مع تقويض أسواق العمل، وتوقف خطط التطوير والتنمية الطموحة لكثير من تلك البلدان.
سترتفع مخاطر التخلف عن السداد بشكل أكبر بنهاية 2023، وسيتعرض النظام الدولي لصدمات عنيفة نتيجة ذلك، والذي سيستدعي حتما جولة مفاوضات جديدة تشبه تلك التي أعقبت أزمة التخلف عن السداد في مطلع تسعينيات القرن الماضي، والعمل على جدولة، ومحو الكثير من تلك الديون التي تهدد الاستقرار والسلم الدوليين.
مع تعاظم واستمرار مخاطر عملية التخلي عن الدولار – DeDollarization مع ترسخها بشكل أكثر عمقا بسبب ارتفاع المخاطر التي تكرسها ممارسات الفيدرالي الأمريكي المتطرفة، والتي يتم توظيفها لضمان التفوق الأمريكي المطلق، وقد اتضح ذلك جليا من خلال قانون “الحد من التضخم” والذي يؤكد على عدم اهتمام واضح من الولايات المتحدة بالآثار السلبية لممارساتها المالية والنقدية على أقرب حلفائها حتى، مما أثار غضب حلفائها في أوروبا، ومازالت المفاوضات مستمرة بشأن تداعيات ذلك القانون الكارثية على الصناعة الأوروبية.
دور الذهب
مما لا يخفى على أحد الارتباط الوثيق بين توجهات التخلي عن الدولار والذهب.
فالذهب لاعب مهم سواء في النظام الحالي، أو أي نظام مستقبلي.
وهذا ما تؤمن به كل دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، التي تصر على الاحتفاظ بالصدارة في احتياطيات الحكومات المركزية من الذهب.
وما لا أشك فيه أننا على بعد خطوة من إعادة تقييم لاحتياطيات الذهب.
وذلك بعدما تضخمت الكتلة والمعروض النقدي بشكل مبالغ فيه بالولايات المتحدة، مما يفقد الاحتياطيات الذهبية قيمتها، مع استمرار الأسعار الحالية للذهب في أسواق المشتقات بوول ستريت وبورصة لندن.
وهو ما سيستدعي إعادة النظر في الأسعار الحالية، مما يدفع الأسعار لمستويات مرتفعة الفترة المقبلة.
لا شك أن اللاعبين الكبار دوليا قد استفادوا من الكبح المستمر لأسعار الذهب الفترة طويلة الماضية، فقاموا جميعا بتكديس الذهب بكميات قياسية منذ 2088، وحتى الآن، مع تسارع الوتيرة خلال العامين الأخيرين.
ولا شك أنهم في حاجة لإعادة تقييم تلك المخزونات الضخمة بشكل عادل وفقا للتضخم، حتى تكتسب الزخم المطلوب،و الفعالية المرجوة، سواء في النظام الحالي، أو وفق طموحات الإعداد لنظام بديل.
ما أتوقعه أننا قد اقتربنا بشكل كبير من دفعة قوية في أسعار الذهب عالميا، تعززه اتفاقا دوليا على ذلك، وإن لم يكن معلنا، أو مكتوبا!